في وطن مثل الجزائر بماضيه الجهادي المشرف وبحاضره المقرف، قد يحدث أن تتضخم لديك حاسة النخوة أمام واقعك البائس، وقد تتعزز عندك هرمونات الشهامة والمروءة والإباء إزاء الرداءة والانحطاط التي تكاد تفتك بشعبك ووطنك وهويتك، فتفكر بجدية تامة وعلى نحو ملحمي أن تكون أحد أقطاب المعارضة التي لم توجد بعد، فقط لتكافح من أجل شعب ألقي به في سلة المهملات تماما كما يفعل بورقة مهترئة أدت ادوارها البائسة أكثر من مرة على مكاتب السمسرة والتجارة بالقضايا..
تتفجر فيك براكين الحماس، تغشاك حالة ثورية نادرة، تعتريك لحظات انكار الذات فتصبح مستعدا للتضحية بالغالي والنفيس فقط من أجل هذا الوطن الذي يأبى إلا أن يقتات على قرابين ابنائه ولا يعبأ إلا بالملايين، تهمّ بأن تفعل وتفعل وتفعل ، ولا تهمك بعدها العواقب إن كانت سجنا أو تقتيلا أو نفيا ، الدماء في شرايينك تندفع بقوة وأنت هنا على حافة الحرب تقبل ولا تدبر وبرأسك شمشونٌ ما يدندن "علي وعلى اعدائي"، تجمع أشتات الساحات التي ستمخرها، وماأكثرها ، لكنك مصر وملح ومصمم، تصهل خيول شجاعتك وإقدامك أنت بطل هذا الوطن، وعزاؤك الوحيد أن وطنك لن ينساك وسيمتن لك أبد الدهر..
وما إن تهم بما تريد حتى تتذكر كيف استقبل وطنك الحنون منانوك وادار ظهره لنكاز، وكيف احتفى بصاحب "تاكلي الجاج" وأمسى واصبح على قصة إكرام و"حلاب سارة" و رقصة الواي واي ونسي لغة صباح، تتذكر معارضة الفيسبوك وتتخيل كيف ستتحول بعد الفداء من جثة هامدة أو جثة على قيد الحياة إلى مجرد هاشتاغ تتناقله بعض الحسابات في زهد وتكلّف، تتذكر مسخ ام البواقي الذي زعمو انه تمثال للعربي بن مهيدي تتذكر نكبة تمثال ابن باديس، تتذكر أنك لن تكون سوى خبرا عابرا لا يجد له سوى منفى في زاوية قصية في الصفحات الأخيرة، وتهمس به بعض قنوات الصرف كماء عادم تتعجل التخلص منه، هذا في احسن الاحوال ان لم تكن مسبة بين ابناء وطنك يرجمونك بكل اوصاف العار والخيانة والفتنة والعمالة .. ثم ينساك وطنك وينساك الدهر وينساك النسيان كانما لم تكن.. واخيرا يحز برأسك خبر اضراب ووفاة #محمد_تامالت الذي عبر هذا الوطن كغيمة ضالة من أقاصيه إلى اقاصيه دون أن يهتز له عرق أو جبل أو حمادة !
هنا فقط يتسلل إليك هدوء مريح، ينزاح عن ظهرك جبل المسؤولية ، ترتخي وتمر لتحضر كوب شاي ساخن ،تشاهد فيلم رعب، ثم تغط في نوم عميق وهانئ وقد أيقنت تماما أن وطنا مرا وارضا بتربة مالحة لا يرتويان ابدا بدماء ودموع فداء، وأن الشعوب التي لم تنضج بعد لا تستحق التضحية أبدا !
-
فاطمة بولعناناليوم حرف وغدا حتف
التعليقات
دمت و دام سحر قلمك
دون أن يُرى أيّ واقع ملموس عما دُرس !
كبرنا ورأينا عكس ما كنا ندرس ، رأيت ان الأغلبية لا يأبه لوطنه ، لا تستثيره المشاعر الوطنية ، لا يتأثر عندما يرى وطنه ينحط ويبدأ يغوص في بحر الرداء..
لينتج نتيجة التعليم المبنى على من يحصد درجة اختبار أكثر شعب جُل همه كيف يستفيد من المال العام ! ، شعب همه الأول والأخير البحث عن المصلحة أين وجدها انصاع تحت أمرها ونسيّ ان هناك وطن يحتاج إلى قطرات من دمه ، ليدافع عنه ، لا قطرات من دمه ليقتل بها الشعب ، ويستبد ويطغى مع تلك الجماعات التي ينضم إليها ، اعتقد أن السبب الأول والأخير وراء كل يقوم به المواطنون الخائنون ،الغير ناضجون ، عدم التلقين من الصغر وغرس مفهوم الوطن فيهم ، سواء من المدرسة ومن البذرة الأولى "العائلة " .. نحن نريد أن يقدس حب الوطن ان يصبح كشجرة تأبى أن تموت وتسقى بدماء من غُرست فيه ، وتكبر وتكبر مع مرور الأيام حتى تستولي على قلب هذا المواطن ، حتى وإن كان في أشد حالات فقره ، يرى ان الوطن هو اهم من كل شئ ،حتى من ابنائه الصغار الذين يبكون بغيّاً ان يشبعوا جوعهم، فيقدم الوطن على ابنائه في كل حين ، أما الآن فأغلب المواطنون هم من نشأوا على هذا التعليم الفاشل في الصغر ، فإذا كنت انا وأنتِ وغيرنا نسعى لبناء وتغيير وطننا ، لن يجدي نفعاً، فنحن قِله وهم أغلبية ، وكلما فكرت في السعي وراء التغيير في الوطن، تذكرت انك قله ،انك واحد من بين مائه ، فتتراجع ، وقلبك يشتعل كجمرة ، تأسف على حالك ، والأسى على وطن خذله أبناءه ، لكن هؤلاء الوطنيون لا يخافون الموت الذي أمامهم رغم أنه لا محاله، إنما أن تُقتل أرواحهم وتستاصل من قبل الفئه العظمى المنحطة قبل أن تحدث ذرة تغيير ، فتموت وتسفك دماءك وليت المنحط يتعِض، فالنتيجة هو تناول كوب من الشاهي الدافئ ، ومتابعة فيلم رعب ، وإزاحة جبل المسؤولية عن ظهرك ... كما قلتِ.
مبدعه ،استممري
موفقة أختي الكريمة
فالحال في مصر لا يختلف كثيراً عن الجزائر , و المشكلة أن الفرد منا كلما حاول أن يساعد وطنه وجد الإهمال و اللا مبالاة من الوطن و أبنائه , و إذا حاول أن يُخرج الوطن من قلبه و عقله لم يقدر على ذلك , فأصبحت معلقاً بين هذا و ذاك .