أحببتها أكثر من مجرد حب رجل لـ امرأة؛ فنقحت رجولتي من كل الشوائب، ومنحتها سمو نفسي وكبريائي.. حتى كرامتي وهبتها لها، إذ آمنت بأن الحب لا ينقص من كرامة الرجل أو يحط من كبرياءه، وأني بصدق الشعور والمشاعر أعطيها ما تستحقه.
أحببتها وأحببت تفاصيلها على نحو نادر ومدهش، أدهشني أنا دائماً وظل يدهشني في كل تلك اللحظات التي كانت تعشعش هي في ذكرياتي وأمنياتي وأحلامي وخيالاتي، كنت أحب دهشتي وأتمادى في الشعور بها في مقابل كل ذلك الحب والشغف الذي بي لكل صغيرة وكبيرة فيها وفي حياتها..
أحببتها كطفلتي وصغيرتي..
جعلت من نفسي أبوة أخرى لها، وملاذاً لها فلا تكون يوماً وحيدة أبداً، ملاذها الذي سيظل يمنحها الحب والغفران على الدوام..
**
ظننت في يوم ما من الماضي البعيد أني إذا أتقنت سر الجوكندا، فسأكون قادراً على اخفاء مسحة الحزن والألم عن ملامحي، وعلى أن أصنع واتصنع للحب برسم ابتسامة خفيفة وموحية بالشعور بالسعادة والرضا، لكي لا يصل ألمي الى قلوب من أحب.. وحتى لا يرى أحد ضعفي في لحظة انكسار تعمدت دائماً أن أبدو فيها شامخاً ومتعالياً، صلباً كما تمنيت دائماً أن يكون هذا هو الملمح الذي يحب أن يراه بي كل من أحببتهم وأحبوني، حتى لو كانوا هم المتسببون بأحزاني وآلامي..!!
ظننت ذلك فعلاً، ومع التقدم في الخطوات والتجارب نسيت أني ظننت ذلك حينما كنت طفلاً، وأني كبرت على مشاعر ورغبات تلك اللحظات القديمة التي صنعت واحداً من أجمل ظنوني.. ومعتقداتي..؟!
كانت تلك حيلتي الدفاعية، التي أخفيت ورائها دائماً حرصي على ألا أكون سبباً لألم وحزن من أحب.. كنت أعتبر أن القدرة على صنع ابتسامة كافياً لإخفاء كل ذلك الحزن العميق الذي يطل من عيوني، ولم يخطر ببالي يوماً أن أخفي عيوني أو أطمس نظراتي التي تختلط فيها كل مشاعر الحب والصدق يكسوها ويقسو عليها الحزن والألم..!!
ومن بعد، اتضح مؤخراً أن سر الجوكندا لم يعد قادراً على جعل ابتسامتي طاغية على وجهي، وعلى أن تحجب بوهجها سواد حزني وألمي الأحمر كما يطل من بين جفوني..
وأدركت في اللحظة ذاتها أني بالفعل أصبحت غارقاً وعلى نحو سافر في سواد متلاطم من الحزن والألم القليل عليه وصفه بالشديد..؟!
**
في الخامسة..
لم يعد نصف وجهي مبتسماً، بل صارت عيوني ونظراتي الحزينة هي كل وجهي وملامحي.. وأدركت أني فشلت هذه المرة وللمرة الأولى في اخفاء ما حرصت دوماً على ألا يراه أحد.. وفشلي في هكذا أمر لابد وأنه نهاية وليس بداية..
وفي اللحظة ذاتها أيضاً، أدركت أني بغير صدق الحب لن أتمكن من حماية نفسي، غير أنه لم يشفع لي عند من أحب كل ذلك الحب الذي منحته إياه، وكل ذلك الصدق الذي بذلته لأجله؛ وعلى نحو داهم ومفاجئ شعرت بأني أشفق على نفسي، فكان هذا أكثر من كاف لأكره نفسي، ولأشعر بشكل مفاجئ بأني أنسحب حقاً، انسحب فعلاً وبدون قرار..
فما عاد يجدي أو يصنع فارقاً إن انسحبت بقرار أو بدون قرار..!!
**
واليوم، أتساءل: هل بالغت في الحب؟
أيعقل أن الصدق والإخلاص قد جراني الى حيث أهدرت نفسي، وأكرمت بمضاعف الحب من لا يستحق؟!
هل خدعتني أبوتي لحبيبتي وطفلتي وصغيرتي؟!
هل كان إيماني ويقيني زائفاً؟!
لا، لا يمكن أن يحصل كل هذا، لا يمكن أن تكون شكوكي في لحظة قاسية هي الجواب؛ ويستحيل أن يدمرني كل ذلك الحب الى هذا الحد، وإذن ما الذي ينهال علي ويطحنني ويوغل في هدي وانهياري.. ما هو؟!
لا أدري..؟!
-
فكري آل هيرمواطن لا أكثر ..