جدلية الحبّ قبل الزواج - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

جدلية الحبّ قبل الزواج

ولكن أحاول أن أحافظ على بهائية لفظ " الحب" حين تستشفه الروح فيدلها على حياةٍ وليس بعض الحياة، أن يكون الحب هو صانع اللحظات لا أن تصنعه اللحظة، الحب عندي هو عهدٌ في ذمة الأيام

  نشر في 02 ديسمبر 2021  وآخر تعديل بتاريخ 01 يوليوز 2023 .

           كل شخص يرى الحب من منظور نفسه حين ينفعل معه خلال تجربة مر بها، محال أن يتفق اثنان على تعريفٍ واحدٍ للحب، ومن هنا أبدأ وأقول لا يوجد ما نسميه "حب قبل الزواج"؛ مردودا على حسب تعريفي للحب، فلا يلزم ذلك أن قولي هذا يتعارض مع رؤيتك لو كنت ترى في مجرد التعلّق حب، أو كنت ترى في الإعجاب والتوافق حب، أو تظن أن المشابهة حب، حيث إيجابية المعاملة بين الطرفين مضمونة في كل ما سبق، فربما أرى في كل ما تراه بأنه لا يتعدّى كونه رزاز حب....

أنا لا أجمح في وضع شروطٍ مغالية للحب، ولكن أحاول أن أحافظ على بهائية لفظ " الحب" حين تستشفه الروح فيدلها على حياةٍ وليس بعض الحياة، أن يكون الحب هو صانع اللحظات لا أن تصنعه اللحظة، الحب عندي هو عهدٌ في ذمة الأيام، أن أُعطي وأُضَحي وأتحمل من أجل استمرارية الرحلة وسكينة العيش مع من أحب، الحب أن يغيب عني دينار وديناران ومقابلهما تعطيني حبيبتي قناطير صبرٍ وسندٍ، الحب حين يضيع بروْحينا الفرق بين "أنا" و"هي" ، أن يمر عليّ اليوم والشهر والسنة لا أنتظر من الأيام شيئا إلا أن تأخذ من عمري وهي معي على طاعةٍ من الله ومراده، ألا يُبنى على روائية أخيلتنا حين تقتصر كل معايير حكمنا على ملء فوارغنا من المشاعر لأننا بعيدين كل البعد عن فرصة الاقتراب، فنبنيه على شاعرية واقعنا لنستخلص ذواتنا فيه من عطاءات النفوس حين تلمس الروحُ الروحَ بعد أن يذوب الجسدُ في الجسدِ من شدة القرب....


ربما المشكلة الكبرى ليست في ما أعتقده وأراه، فلا فرض لرأيي على أحد، لكني ما وددت إلا أن أعرض رؤيتي لتصون بعض الحب وأهله، وهذا ظنا مني، المشهد لا يعني عدمية الحب قبل الزواج ولا حتى يقترب منه في شيء، وإنما هو تدريجٌ يُرى فيه الحب على مراقيه وتطلعاته، ولأجل توضيح الرؤية فإن للحب عندي ثنائية من العطاء: عطاء الوجود والوجدان، فمِنحةُ الوجود تعين على عيْش الحياة بحسن تصريف غرائزها والرضا بماديتها، ومنحة الوجدان تعين على تجاوز الحياة بتعاطٍ شعوري معنوي يرتقي إلى سؤال فطرة: متى تسكن فتائل أرواحنا المُرتعشة والمعقودة في دواخلنا بينما نستمر في سيرنا لا نتوقف؟!!

فمن العجيب أن تجتمع هذه الثنائية قبل الزواج ليستقر حد الحب وكماله على اجماع القلب والعقل والطبع معا، وإن اجتمع فهناك نوعٌ من التمادي والتعدّي يناقض ثوابت ديننا وعرفنا المبني على صيانة النفوس كقيمةٍ محورية في مقاصد الشرع، فإن المتعدي قد جار على حصون غيره، وتمادى في استباحته للاطلاع على خبايا لا تباح إلا بعد عقد الزواج، فالفواحش وسيلته لاستباحة الوجود، وكلام الحب والهيام والخضوع بالقول دأبه لانتزاع الوجدان، وبأحدهما أو بكليهما تستقر عنده مِلكية الحب....

فرضية أن تُبتلى بحبٍ تلغي كل ما سردته أعلى، ولكن فرضية أنك ابتليت نفسك به تعيدنا لنفس النقطة، نحن معنيون بإدراك حقيقة ما يجول في صدورنا وإلا فمنْ يعرف حقيقة أنفسنا أكثر منا، هذا البحث الشاق في مزقّات النفس، إن أهم فصلٍ لبلوغ نهايةٍ قطعية لمسرحية النفسِ هذه هو إعمال الصدق وإجبار النفس على تحمّله بضَخّه دفعةً واحدة، فيكون إشباعًا روحيا يضمن كفاف النفس إذا ما اتخذت قرارها الصائب.

أحسب أنه وَصَلَكم ما أردت أن أبيّنه، ما أريدُ من جُلّ هذا الكلام إلا صيانة النفس وجوهرها، "قاتل للأمر ولا تقاتل للنصر" هذه عبارةٌ تختصر الكثير من فلسفةِ الحب، لا تشترط الحبَّ على نفسك، والأهم ألا تجلب مِلئه عليك في غير وقته فتحبس نفسك في حيّز الحب لا نطاق غيره، فعند أول عتبة خذلان تزلّ فيها قدمك بعد الزواج سينقلب الحب كرها بغيضا، وستنتهِك جزءا كبيرا من حُللِ النفس ومعانيها الباقية لعطايا الحب، فماذا أخذت من الحب عاجلا إذ شاهت النفوس بعضها أمام بعض وفسد جُوّانيها من بعد ذلك، إن الحب الذي لا يصير منهجا يقوم على مغالاتنا في الميل إلى الهُيام وهوى النفس، ذلك الذي لا يُأسَّس على ثوابت الدين ويُنقش نقشا في تقلّبات العيْش ودوافعه، يظل حبا مشوبا مظنونا إلى أن تفصل في أمره الأيام.....

أكرر وأقول أنني لا أزعم أبدا عدمية وجود الحب قبل الزواج، فهذا يُعادي تراكمية صفة الحب، فلا يزال يتشرّب القلب بالحب يوما بعد يوم حتى يتشبّع كاملا حين يمضي الأجل، لكن أؤكد على صعوبة قياسه والإقرار به قبل الزواج، وهذا ينقلنا لنقطة أهم، فهذا المبدأ يحافظ على أمرين هامين: أولهما صيانة مشاعر كلا من الطرفين كإطارٍ روحي وهذا يحل أمر المعالجة النفسية بعد ذلك لو حدث عارض، أي عارض لاستمرارية الرابطة بينكما، فضلا على الصيانة الجسدية وهذا مقام ربط باعٍ من الحب بالعلاقة الجنسية والذي لا يختلف عليه أحد، وهذه الصيانة من أهم مقاصد الشريعة في بيان العلاقة بين الرجل والمرأة قبل عقد الزواج "المخطوبين" ؛ كانعكاسٍ جلي لمركزية خلق "العِفة" في الإسلام، ولا يهم على أي حالٍ ستكون ممارسات هذه الصيانة؟! فكلها في بوتقةِ "العفة"، وثانيهما مطاوعة الواقع ومعايشة الحقيقة ورغم بديهية الحديث ولكن تعيين الحقيقة من أشد معضلات النفس البشرية؛ بسبب جدليتها المجبولة عليها وتعقيد أمر "الحب" من الأساس....


  • 1

   نشر في 02 ديسمبر 2021  وآخر تعديل بتاريخ 01 يوليوز 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا