دائرة .. ما نحن إلا بدائرة ضخمة متماسكة بقوة , نهايتها منعدمة وبدايتها مبهمة المعالم , مستمرة لا تتوقف ونحن لا نقوى على الخلاص منها , لم نجد منفذ الهرب منها ولن نجده , ليس أمامنا خيارات إلا مسايرتها وأن يرتسم على وجوهنا أبتسامة الأستسلام لما تفرضه علينا من قوانين صارمة ليست بالأمر الهين , إنها الحياة , كلاً منا يرتكز على مكانه ويتدافع بقوة خفية تجعله يسير بها دون أن يعلم إلى أين سيرسى به قاربه المبحر في بحر الحياة المزعومة , يسير بها دون أن يعلم ما هي نتيجة رحلته هذه ؟ هل ستصب في مصلحته أم سينقلب السحر على الساحر ويهلك ؟ , ما هي نهاية هذا السباق الفريد من نوعه ؟ , سباق طرفه الأوحد هو الإنسان , ولكنه سباق ليس له نهاية !
يظل البشري المسكين في التدافع بفعل هذه القوة الخفية ليتحرك بخطوات أمامية على طريق هذه الدائرة اللانهائية , يندفع فيتحرك , ويظل على هذا المنوال طوال فترة محياه , مهما كانت صرخته في الأستغاثة طلباً لأنقاذه من هذه الدائرة التي تخلو من أي رحمة أو توقف فلن يسمع صرخته أحد , فكيف أن يُلبي له طلبه أحد وكل البشر إما أمامه أو خلفه في دائرة الحياة مستمرين في السريان هم أيضاً ؟! , وهنا تكمن أحدى الحقائق , الحقائق التي لازلنا نكتشف إلى أين منتهاها أيضاً , حقيقة مكبوتة داخل أسرار الحياة , يتضح بها الفكرة وراء سبب وجودنا بهذه الدائرة الغير مبررة الأسباب بالنسبة لآفاق عقولنا ..
الساقي سيُسقى بما سقى , هنا يتضح المعنى وينجلي الغموض عما يدور في ذهننا بشأن هذه الحالة التي نعيشها , مهما كان موضعك الآن في هذه الدائرة الملتفة حول نفسها فأنت حتماً ستكن بموضع أحدهم في لحظة ما بسبب القوة الخفية المُحركة لنا , ستكون بمكان أحدهم الذي صادفته خلال مشوار حياتك في لحظة ما ولكن لم تُحسن مصادفتك له ومنحته الظلم أو الأفتراء أو التجريح اللفظي أو الأذلال , وغيرهم ..
ستصبح ذات يوم في موضعه لا محاله , دائرتك تتسارع يوم بعد يوم في الحركة , والقوة التي تدفعها وتدفعنا لا تتوقف بل تتزايد بشكل لحظي , ولست تمتلك من القوة أقصاها لتوقفهم , بل أنت في هذه الحالة أضعف من أضعف ضعيف , أنها قوة تعصف بكل ما يُقابلها , فكيف لك أيها البشري أن تنتصر عليها وتُدمر الدائرة المتماسكة ؟! ..
فكن حذراً , قوانين هذه القوة ستنطبق عليك يوماً ما , وستدفعك للمرور بموضع من كان مظلوماً وكنت أنت السبب الرئيسي في ظلمه , ستمر بموضع من كان ذليلاً وكنت أنت السبب الرئيسي في ضعفه وهوانه , ستمر وهذا المرور آتي لا مفر , فلا تحاول أن تعاند هذه القوة الدافعة لك أو تحاول الرجوع إلى موضعك الأصلي الآمن , قوانين الدائرة الحياتية لن تتغير بسببك , أنها قوانين جادة لا تقبل التجزئة أو الحذف كما تريد ويحلو لك , لن تتوقف القوة ولن تتوقف الدائرة عن العمل الخاص بها تنفيذاً للعدل الآلهي في الأرض , أنه هدف سامي لن يُوقفه شئ مهما كان ..
ولكن .. لم تراودك تساؤلات بشأن هذه القوة التي تدفعنا نحو تنفيذ هذا العدل بنا ؟ ما هي ملامحها ؟ .. حقاً أنها قوة لابد أن تنال التقدير منا ..
أنها تتلخص في " كما تدين تدان " , فكما أودعت هذا الظلم في قلب أحدهم سيُودع داخلك يوماً ما , بفضل دفعك بهذه القوة نحو موضع تنفيذ العدالة بدائرة الحياة , كما زرعت الذل والهوان بنفس أحدهم ستلقى نفس القدر من الأذلال والضعف تحقيقاً للعدالة وكل هذا بفضل هذه القوة التي لا تتوقف لحظة عن تنفيذ عملها بكل إتقان ..
فهل أنت على أستعداد أن تقف بهذه المحاكمة العاجلة هي أم الآجلة تنفيذاً لحكم آلهي يسمى العدل ؟ , كن على أستعداد لهذا الموعد , فهو آتي ولكن موعده مبهم , قد يكون التنفيذ اليوم أو الغد أو بعد سنوات لا تعد , ولكنه سيُنفذ , فلا تقل : لن اُحاسب على ما فعلته ؟ لقد مر الكثير ولم أجد العقاب , بل قل : يجب أن أستعد له , فمهما طال الأنتظار فهو حتماً سيُنفذ ..
التعليقات
فقرة مؤثرة جدا لابد لكل منا ان نتوقف عندها في كل ما نفعله ونقوله
مقالة رائعة اختى الفاضلة نورا
الحياة كالدائرة التي لا تتوقف ابدا...الذي سوف تفعله اليوم سواء كان خيرا او شرا سوف يرد اليك غدا او عند مماتك .
شكرا علي المقال الرائع