مرض خبيث وقع في كل الأمم التي قبلنا مرض ليس ككل الأمراض ينبع من نفس سوداء نتنة وهو من أشد أمراض القلوب والسواد الأعظم إنه فتاك ما حل بأمة أو بمجتمع أو بأسرة إلا ولازمهم الخراب والدمار خطير قمة الخطورة وغالب على النفوس دا قاتلوما أكثره في العالم وضحاياه لا تعد من لا يعرفه  ؟

الحسد:

أول ذنب في الاسلام وأول ذنب عصي به الله في السماء لما حسد إبليس عليه لعنة الله أبانا آدم عليه السلام لقوله تعالى «.. وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ.....» ( الإسراء61)

وأول ذنب عصي الله به في الأرض لما قتل ابن آدم قابيل أخاه هابيل لقوله تعالى : "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)"

فالحسد داء الأمم وسرطان الشعوب وسلاح الشياطين وقد حذرنا الله من شره في سورة الفلق التي ختمت به لشدة خباثته قوله تعالى"ومن شر حاسد إذا حسد"

وعرفه الجرجاني: (الحسد تمني زوال نعمة المحسود إلى الحاسد) (2) .

وقال الكفوي: (الحسد: اختلاف القلب على الناس؛ لكثرة الأموال والأملاك) (3) .

وعرفه الطاهر بن عاشور فقال: (الحسد: إحساس نفساني مركب من استحسان نعمة في الغير، مع تمني زوالها عنه؛ لأجل غيرة على اختصاص الغير بتلك الحالة، أو على مشاركته الحاسد)

فالحسد مرض ضعاف الإيمان وهو مرض لا يجتمع مع الايمان لقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لَا يَجْتَمِعَانِ فِي النَّارِ مُسْلِمٌ قَتَلَ كَافِرًا، ثُمَّ سَدَّدَ وَقَارَبَ، وَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي جَوْفِ مُؤْمِنٍ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفَيْحُ جَهَنَّمَ، وَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ الْإِيمَانُ وَالْحَسَدُ)).

وهو من صفات الكفار واليهود لقوله تعالى:"وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "

فاحذر وأحذر منه فهو من كبائر الذنوب يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب لقول الرسول صلى الله عليه وسلم :"إياكم والحسد ; فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب" والأصل فيه عدم القناعة بقضاء الله وقدره.

فالحاسد شخص دائما مغموم وقلبه لا يستريح ونفسه لا تطمئن وهو في عذاب دائم وفِي ألم مستمر وفِي حزن متواصل ولا يحب الخير لأحد ويتمنى الاذاء ويفرح بمصيبة غيره لقول تعالى:"إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)"

كثير الشكوى بخيل يذكر عيوبك للناس ولا يسترك ويتعمد الإحراج وينسى المعروف وذو وجهين لقوله تعالى:" وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ۚ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119)"

الحسود جاهل لا يرى عظمة الله ولا غناه وهوظالم يلبس ثوب مظلوم ينتقم من نفسه بنفسه ويقتص لأعدائه من لحمه ودمه فقد قال- الحسن البصري: (ما رأيت ظالـمًا أشبه بمظلوم من حاسد، نفس (3) دائم، وحزن لازم، وغمٌّ لا ينفد)

وتصل له خمس عقوبات قبل ان يصل الحسد لقول أبو الليث السمرقندي: (يصل إلى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل حسده إلى المحسود: أولاها: غمٌّ لا ينقطع. الثانية: مصيبة لا يُؤجر عليها. الثالثة: مذمَّة لا يُحمد عليها. الرابعة: سخط الرب. الخامسة: يغلق عنه باب التوفيق)

فالنفس الخبيثة الحاسدة شبهت بالحيات السامة لشدة سمها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اقتلوا الحيّات ، واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر ، فإنهما يطمسان البصر ، ويسقطان الحبلى )

فالحسد حالق الدين وجب أن يكافح لشدة خطورته ،وأن يوقن كل واحد منا بأن تقسيم الله للرزق على عبادة قائم على الحكمةوأن بسطه وقبضه بيد الله.