إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

Libre Gamin

.. مَنْ أَنتَ ، يا أَنا ؟ في الطريقِ اثنانِ نَحْنُ ، وفي القيامة واحدٌ . خُذْني إلى ضوء التلاشي كي أَرى صَيْرُورتي في صُورَتي الأُخرى . فَمَنْ سأكون بعدَكَ ، يا أَنا ؟ جَسَدي ورائي أم أَمامَكَ ؟ مَنْ أَنا يا أَنت ؟ كَوِّنِّي كما كَوَّنْتُكَ ، ادْهَنِّي بزيت اللوز ، كَلِّلني بتاج الأرز . واحملني من الوادي إلى أَبديّةٍ بيضاءَ . عَلِّمني الحياةَ على طريقتِكَ ، اختَبِرْني ذَرَّةً في العالم العُلْوِيِّ . ساعِدْني على ضَجَر الخلود ، وكُنْ رحيماً حين تجرحني وتبزغ من شراييني الورودُ … .. لم تـأت سـاعـتُنا . فـلا رُسُـلٌ يَـقِـيـسُـونَ الزمانَ بقبضة العشب الأخير . هل استدار ؟ ولا ملائكةٌ يزورون المكانَ ليتركَ الشعراءُ ماضِيَهُمْ على الشَّفَق الجميل ، ويفتحوا غَدَهُمْ بأيديهمْ . فغنِّي يا إلهتيَ الأثيرةَ ، ياعناةُ ، قصيدتي الأُولى عن التكوين ثانيةً … فقد يجدُ الرُّوَاةُ شهادةَ الميلاد للصفصاف في حَجَرٍ خريفيّ . وقد يجدُ الرعاةُ البئرَ في أَعماق أُغنية . وقد تأتي الحياةُ فجاءةً للعازفين عن المعاني من جناح فراشةٍ عَلِقَتْ بقافيةٍ ، فغنِّي يا إلهتيَ الأَثيرةَ يا عناةُ ، أَنا الطريدةُ والسهامُ ، أَنا الكلامُ . أَنا المؤبِّنُ والمؤذِّنُ والشهيدُ ما قلتُ للطَّلَلِ : الوداع . فلم أَكُنْ ما كُنْتُ إلاّ مَرَّةً . ما كُنْتُ إلاّ مرَّةً تكفي لأَعرف كيف ينكسرُ الزمانُ كخيمة البدويِّ في ريح الشمال ، وكيف يَنْفَطِرُ المكانُ ويرتدي الماضي نُثَارَ المعبد المهجور . يُشبهُني كثيراً كُلُّ ما حولي ، ولم أُشْبِهْ هنا شيئاً . كأنَّ الأرض ضَيِّقَةٌ على المرضى الغنائيِّين ، أَحفادِ الشياطين المساكين المجانين الذين إذا رأوا حُلْماً جميلاً لَقَّنُوا الببغاءَ شِعْر الحب ، وانفتَحتْ أَمامَهُمُ الحُدُودُ … وأُريدُ أُن أُحيا … لي عَمَلٌ على ظهر السفينة . لا لأُنقذ طائراً من جوعنا أَو من دُوَارِ البحر ، بل لأُشاهِدَ الطُوفانَ عن كَثَبٍ : وماذا بعد ؟ ماذا .. وأَنا أُريدُ ، أريدُ أَن أَحيا … فلي عَمَلٌ على جغرافيا البركان . من أَيام لوط إلى قيامة هيروشيما واليبابُ هو اليبابُ . كأنني أَحيا هنا أَبداً ، وبي شَبَقٌ إلى ما لست أَعرف . قد يكون ” الآن ” أَبعَدَ . لي . أَما أَنا - وقد امتلأتُ بكُلِّ أَسباب الرحيل - فلستُ لي . أَنا لَستُ لي أَنا لَستُ لي … محمود درويش

  • منTunis, Tunisia